تغطي التاريخ القديم لبيلاروسيا فترة زمنية واسعة، تبدأ من العصر الميزوليتي وتنتهي بتشكل أولى الكيانات الحكومية في العصور الوسطى. تتناول هذه المقالة المراحل الرئيسية لتطور الأراضي البيلاروسية، والثقافة، والمجتمع في الأزمنة القديمة، بالإضافة إلى تأثير الحضارات المحيطة.
تعود أولى آثار النشاط البشري في أراضي بيلاروسيا إلى العصر الميزوليتي، تقريباً إلى 10-6 آلاف سنة قبل الميلاد. في ذلك الوقت، كان هناك صيادون وجامعو الثمار الذين استخدموا الأدوات الحجرية وتمارسوا الصيد. من بين الاكتشافات الأثرية الأكثر شهرة في هذه الفترة هي مستوطنات في منطقة بحيرة ناروتش وعلى نهر بريبيات.
شهد الانتقال إلى العصر الحجري الحديث (حوالي 5 آلاف سنة قبل الميلاد) بداية الزراعة وتربية الماشية. بدأ الناس في الاستقرار في مكان واحد، مما ساهم في ظهور أول مستوطنات دائمة. تركت الثقافات الحجرية الحديثة، مثل الثقافة الثلاثية وزادنيبروفسكايا، إرثاً غنياً يتضمن الفخار، والزينة، وأدوات العمل.
في عصر البرونز (حوالي 3-1 آلاف سنة قبل الميلاد) شهدت أراضي بيلاروسيا تطوراً نشطاً في صناعة المعادن. تشكلت اتحادات قبلية كانت تتاجر مع ثقافات مجاورة مثل السكيثيين والتجار البلطيين. تشير إنشاءات التلال ومرافق الدفن الأخرى إلى تطور المعتقدات والطقوس.
شهد الانتقال إلى العصر الحديدي (حوالي 1 آلاف سنة قبل الميلاد) أيضًا نمواً في الهياكل الاجتماعية والسياسية. بدأت تتشكل اتحادات قبلية على أراضي بيلاروسيا، مثل قبائل الراديميش والكرينيش. كانت لهذه الاتحادات مراكز إدارة خاصة بها، ومستوطنات محصنة، وتطورت التجارة.
خلال الأزمنة القديمة كانت أراضي بيلاروسيا تحت تأثير شعوب وثقافات مختلفة. أثرت القبائل السلافية والبلطية والفنلندية الأوغرية بشكل كبير على تشكيل المشهد الإثني والثقافي في المنطقة. في القرن الأول الميلادي، بدأت الأراضي البيلاروسية بالتوسع بنشاط من قبل السلاف، مما أدى إلى تشكيل أولى القبائل السلافية.
بدأ السلاف، باستخدام الطرق المائية، التجارة مع بيزنطة ودول أوروبية أخرى. ساهم ذلك في تبادل ليس فقط السلع، ولكن أيضاً الثقافة والدين والفنون. تدريجياً، بدأ السلاف على أراضي بيلاروسيا في الاتحاد في اتحادات قبلية أكبر، مما أصبح أساسًا للتشكيلات الحكومية المستقبلية.
في القرنين التاسع والعاشر، بدأت أراضي بيلاروسيا في تشكيل أولى الدول. بدأت الاتحادات القبلية في الاتحاد في تشكيلات سياسية أكبر، مما أدى إلى إنشاء الدوقيات. ومن بين الدوقيات المعروفة هو دوقية بولوتسك، التي تأسست في أواخر القرن التاسع، والتي أصبحت مركزاً هاماً للتجارة والثقافة.
لعبت دوقية بولوتسك دوراً مهماً في الحياة السياسية لأوروبا الشرقية، حيث أقامت علاقات دبلوماسية وتجارية مع الدول المجاورة مثل روسيا الكييفية وبولندا. كما أصبحت الدوقية مركزاً للتبشير بالمسيحية، خاصة بعد اعتناق المسيحية في عام 996 على يد الأمير فلاديمير في كييف.
كانت الثقافة البيلاروسية القديمة متنوعة ومتعددة الطبقات. تأثرت الثقافة بتقاليد محلية وأخرى مكتسبة من شعوب مجاورة. لعبت الفنون والحرف والتراث الشعبي والتقليد الشفهي دورًا مهمًا في حياة البيلاروسيين القدماء.
استندت المعتقدات الدينية للبيلاروسيين القدماء إلى الوثنية، التي تضمنت عبادة العناصر الطبيعية والآلهة. تدريجياً، مع قدوم المسيحية، حدثت تحول كبير في الحياة الدينية. أصبحت الأرثوذكسية الدين السائد، مما أثر بعمق على الثقافة والحياة الاجتماعية.
تمثل الأزمنة القديمة في بيلاروسيا فترة مليئة بالأحداث والتغيرات، والتي كانت أساساً للتطور الإضافي للمنطقة. من العصر الميزوليتي إلى تشكيل أولى الدول، مرت الأراضي البيلاروسية بالعديد من التغيرات التي أثرت على الثقافة والمجتمع والسياسة. تعتبر هذه الفترة جزءًا مهمًا من التاريخ البيلاروسي وتركت إرثًا كبيرًا للأجيال القادمة.