صراع قبرص مع تركيا هو مشكلة معقدة ومتعددة الأبعاد، تعود جذورها إلى التاريخ والاختلافات العرقية والمصالح الجيوسياسية. قبرص، الواقعة في شرق البحر الأبيض المتوسط، تعرضت على مر القرون لتأثيرات حضارات وإمبراطوريات مختلفة. ومع ذلك، فقد بدأت الشكل الحديث من الصراع في القرن العشرين، مما أدى إلى تقسيم الجزيرة إلى جزئين: القبارصة اليونانيين و القبارصة الأتراك. تتناول هذه المقالة الأسباب الرئيسية للصراع، والأحداث الرئيسية والوضع الحالي في قبرص.
تبدأ تاريخ صراع قبرص مع تركيا من الفترة الاستعمارية. في عام 1878، حصلت بريطانيا على السيطرة على قبرص، التي كانت جزءًا من الإمبراطورية العثمانية. أدى ذلك إلى توتّرات بين المجموعتين العرقيتين الرئيسيتين: القبارصة اليونانيين والقبارصة الأتراك. سعى القبارصة اليونانيون إلى الاتحاد مع اليونان، بينما دعم القبارصة الأتراك التحالف مع تركيا.
بعد الحرب العالمية الثانية، بدأ القوميون القبارصة اليونانيون حملة نشطة من أجل الاستقلال عن بريطانيا والاتحاد مع اليونان. في عام 1955، بدأت مظاهرات جماهيرية، مما أدى إلى تشكيل منظمة عسكرية تُعرف بـ "إيوكا" (المنظمة الوطنية لثوار قبرص)، التي قاتلت من أجل استقلال قبرص.
نتيجة لصراعات مستمرة ومفاوضات، حققت قبرص استقلالها في عام 1960. وقد نصّ اتفاق الاستقلال على حقوق متساوية للقبارصة اليونانيين والقبارصة الأتراك، لكن التوترات بين المجتمعين استمرت. في عام 1963، اندلعت اشتباكات دامية، مما أدى إلى انقطاع الثقة بين المجموعتين وتدخل قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.
في عام 1974، بعد انقلاب حكومي في اليونان ومحاولة ضم قبرص إلى اليونان، غزت تركيا الجزيرة، مدعيةً أنها تتدخل لحماية السكان القبارصة الأتراك. نتيجةً لهذا الغزو، تم احتلال معظم شمال قبرص من قبل القوات التركية، مما أدى إلى إنشاء جمهورية شمال قبرص التركية (TRNC) في عام 1983، والتي لم تعترف بها المجتمع الدولي، باستثناء تركيا.
في يوليو 1974، نظم القبارصة اليونانيون انقلابًا حكوميًا بهدف الاتحاد مع اليونان. ردًا على ذلك، نفذت تركيا تدخلاً عسكريًا، مستوليةً على حوالي 37% من الأراضي القبرصية. أدى الغزو إلى تحركات جماهيرية للسكان وتطهير عرقي. وقد اضطر مئات الآلاف من القبارصة اليونانيين إلى مغادرة منازلهم في الشمال، بينما انتقل القبارصة الأتراك إلى المناطق الشمالية.
أصبحت مشكلة اللاجئين واحدة من الموضوعات الرئيسية في الصراع. فقد فقد الآلاف من القبارصة اليونانيين منازلهم وممتلكاتهم، مما أدى إلى مشكلات اجتماعية واقتصادية طويلة الأمد. من جانبها، تؤكد تركيا على ضرورة حماية حقوق القبارصة الأتراك وأن التدخل كان ضروريًا لـ منع العنف.
على مدار العقود الأخيرة، ظل الصراع دون حل، على الرغم من محاولات المفاوضات السلمية والجهود الدولية لحل الوضع. لم تحقق مختلف الخطط السلمية، بما في ذلك خطة أنان في عام 2004، النجاح. بينما تسعى الجانب القبرصي اليوناني لاستعادة وحدة الجزيرة، يفضل الجانب القبرصي التركي المحافظة على الحكم الذاتي.
في عام 2017، جرت جولات جديدة من المفاوضات في "كران-مونتانا"، لكنها لم تسفر أيضًا عن نتائج إيجابية. تشمل العقبات الرئيسية لتحقيق اتفاق قضايا الأمن، وحقوق الملكية ووضع القوات التركية على الجزيرة. تمتلك كلا الجانبين رؤى مختلفة حول مستقبل قبرص، مما يجعل إمكانية حل النزاع سلمياً صعبة.
لصراع قبرص مع تركيا أيضًا جوانب دولية. تدعم تركيا بنشاط المجتمع القبرصي التركي، بينما تدعم اليونان والمجتمع الدولي القبارصة اليونانيين. لقد أصبح هذا الصراع جزءًا من لعبة جيوسياسية أوسع في شرق البحر الأبيض المتوسط، حيث تتقاطع مصالح الدول المختلفة. على وجه الخصوص، أضاف اكتشاف الهيدروكربونات في الجزء الشرقي من البحر الأبيض المتوسط مستوى جديدًا من التعقيد إلى الصراع، مما جذب انتباه الشركات والدول الدولية.
تقوم الأمم المتحدة منذ عام 1964 بتنفيذ عمليات حفظ السلام في قبرص من خلال قواتها لفصل النزاع (UNFICYP). يواصل المجتمع الدولي الدعوة إلى حوار وتعاون بين الجانبين، لكن دون تحقيق تقدم ملموس. يعتبر العديد من الخبراء أن حل الصراع ممكن فقط بالوجود الإرادة السياسية من كلا الجانبين ونهج بناء للمفاوضات.
إن صراع قبرص مع تركيا ليس فقط نتيجة للاختلافات التاريخية، بل هو أيضًا مشكلة جيوسياسية معقدة تتطلب اهتمامًا وجهودًا من المجتمع الدولي. من المهم أن نفهم أن حل النزاع سلميًا ممكن فقط من خلال الحوار، والتسويات و احترام حقوق جميع سكان الجزيرة. تحتاج قبرص المعاصرة إلى الاستقرار والسلام لضمان الرفاهية والتنمية للأجيال المقبلة.