عانت كولومبيا من العديد من الحروب الأهلية والصراعات المسلحة، التي شكلت على مدار قرنين مصير البلاد السياسي والاجتماعي والاقتصادي. تركت هذه الصراعات أثراً عميقاً في المجتمع الكولومبي، مما أدى إلى العنف الجماعي، وتدمير البنية التحتية، وعدم الاستقرار السياسي. ومن أهم اللحظات في تاريخ كولومبيا كانت حرب الألف يوم، ولا فيولنسيا، والصراع المسلح الطويل المرتبط بأنشطة حركات التمرد، وتهريب المخدرات، والقوات الحكومية.
بعد إعلان الاستقلال في عام 1819، واجهت كولومبيا سلسلة من النزاعات الداخلية الناجمة عن الصراع على السلطة والاختلافات الإيديولوجية بين المجموعات السياسية المختلفة. في القرن التاسع عشر، كان الخصمان الرئيسيان هما الليبراليون والمحافظون. كان لهذين الحزبين السياسيين وجهات نظر مختلفة تماماً حول كيفية إدارة البلاد، مما أدى إلى عدة حروب أهلية.
أحد أولى النزاعات الكبرى كانت الحرب الأهلية عام 1839، المعروفة باسم حرب العقبة. وقد نشأت هذه الحرب من القضايا الدينية والاختلافات بين الليبراليين والمحافظين. على مدار العقود التالية، استمرت كولومبيا في مواجهة عدم الاستقرار السياسي الذي تجلى في العديد من النزاعات المسلحة.
كانت الحرب الأكثر تدميراً في القرن التاسع عشر هي حرب الألف يوم (1899-1902). أدت هذه الحرب بين الليبراليين والمحافظين إلى خسائر ضخمة في الأرواح، حيث قُدّر عدد القتلى ما بين 60,000 إلى 100,000 شخص. دُمرت اقتصاد البلاد، وفقدت كولومبيا السيطرة على بنما، التي أعلنت استقلالها في عام 1903 بدعم من الولايات المتحدة.
كانت لا فيولنسيا، التي استمرت من عام 1948 إلى عام 1958، واحدة من أكثر الفترات tragic والوحشية في تاريخ كولومبيا. أدى هذا الحدوث من الحرب الأهلية إلى عدم الاستقرار السياسي وتصاعد التوتر بين الليبراليين والمحافظين. كان اغتيال الزعيم الليبرالي الشعبي خورخي إليسير غايتان في أبريل 1948 هو الزناد للصراع. تسبب موته في اضطرابات جماهيرية عرفت باسم بوغوتاسو، والتي انتشرت في جميع أنحاء البلاد.
تميّزت لا فيولنسيا بمواجهات واسعة النطاق بين أنصار الحزبين، والإرهاب، والاغتيالات السياسية، والتعبئة القسرية للسكان. خلال عشر سنوات من الحرب الأهلية، قُتل أكثر من 200,000 شخص، واضطر مئات الآلاف إلى ترك منازلهم. تركت لا فيولنسيا جروحًا عميقة في المجتمع الكولومبي وأدت إلى عدم استقرار سياسي طويل الأمد.
بعد انتهاء لا فيولنسيا في عام 1958، لم يتم إنهاء الصراع في كولومبيا. بدأت تتشكل مجموعات مسلحة مختلفة في البلاد، تسعى إلى تغييرات اجتماعية وسياسية. وكانت إحدى هذه المجموعات هي القوات المسلحة الثورية الكولومبية (FARC)، التي تأسست في عام 1964 كمنظمة يسارية راديكالية مستوحاة من الأفكار الماركسية والاجتماعية. بدأت FARC الكفاح المسلح ضد الحكومة، معارضةً للإصلاح الزراعي ومُدافعةً عن مصالح الفلاحين.
بالتزامن مع ذلك، ظهرت حركات تمرد أخرى في كولومبيا، مثل جيش التحرير الوطني (ELN)، التي تأسست أيضًا في عام 1964. ألهمت ELN أفكار الثورة الكوبية وتش كيغيفارا، وسعت إلى محاربة استغلال الموارد الطبيعية من قبل الشركات الأجنبية وطالبت بالعدالة الاجتماعية لأفقر طبقات السكان.
استخدمت هذه الحركات التكتيك الحربي، بما في ذلك احتجاز الرهائن، والهجمات على المنشآت العسكرية، والتخريب. وفي الوقت نفسه، بدأت الحكومة الكولومبية وحلفاؤها في محاربة هذه الجماعات، مما أدى إلى صراع مسلح مستمر على مر السنين.
في السبعينات، ظهرت لاعبين جدد في الصراع — عصابات المخدرات. أصبحت كولومبيا واحدة من أكبر منتجي الكوكايين في العالم، وأصبح تهريب المخدرات مصدر الدخل الرئيسي لمجموعات مسلحة مختلفة، بما في ذلك FARC وELN. احتلت عصابات مثل عصابة ميديلين برئاسة بابلو إسكوبار وعصابة كالي مكانة بارزة.
لم تقتصر عصابات المخدرات على السيطرة على إنتاج وتهريب المخدرات فحسب، بل تدخلت أيضًا بنشاط في السياسة المحلية، مستخدمةً الرشوة، والعنف، والاغتيالات لتحقيق أهدافها. أصبح بارونات المخدرات، مثل بابلو إسكوبار، من أبرز الشخصيات المؤثرة في كولومبيا، مما شكل تهديداً للأمن القومي ومؤسسات الحكومة.
بدأت الحكومة في محاربة تهريب المخدرات بنشاط، لكنها واجهت مقاومة شرسة. في الثمانينات والتسعينات، بلغ مستوى العنف في كولومبيا ذروته: قتلت عصابات المخدرات رجال الشرطة، والقضاة، والسياسيين الذين حاولوا محاربة تجارة المخدرات. تعززت عمليات الخطف، والتفجيرات، والبلطجة في البلاد. أصبحت هذه الفترة واحدة من الأكثر دموية في تاريخ كولومبيا.
رغم تصاعد العنف، تم القيام بمحاولات على مدار عقود للتفاوض من أجل السلام مع الجماعات المتمردة في كولومبيا. في الثمانينات والتسعينات، حاولت الحكومة عدة مرات التوصل إلى وقف لإطلاق النار مع FARC وELN، لكن معظم هذه المحاولات لم تؤدِ إلى السلام الدائم.
كان أحد أول الخطوات الهامة هو توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار مع حركة M-19 في عام 1990. كانت هذه الحركة المسلحة، التي أيضاً أُنشئت في السبعينات، في النهاية قد فضّلت التخلي عن العنف وأصبحت حزبًا سياسيًا. ومع ذلك، استمرت مجموعات مثل FARC وELN في النضال المسلح.
بعد عقود من الصراع، تم تحقيق اختراق تاريخي في عام 2016. قام حكومة كولومبيا تحت قيادة الرئيس خوان مانويل سانتوس وFARC بتوقيع اتفاق سلام أنهى أكثر من نصف قرن من الصراع. شمل الاتفاق نزع سلاح المتمردين، وإنشاء محاكم خاصة للتحقيق في الجرائم العسكرية، والتعهد بالاندماج الاجتماعي والسياسي للأعضاء السابقين في FARC.
بفضل هذا الإنجاز، حصل خوان مانويل سانتوس على جائزة نوبل للسلام في عام 2016. ومع ذلك، أثار اتفاق السلام ردود أفعال متباينة في المجتمع. دعم العديد من الكولومبيين الاتفاق، معتبرين أنه فرصة للسلام المنتظر، بينما انتقده آخرون، وخاصة المحافظين، بسبب "شروطه اللينة جدًا" لـFARC.
رغم اتفاق السلام مع FARC، لم يتوقف العنف في كولومبيا بالكامل. لا تزال مجموعات مسلحة أخرى تعمل في البلاد، مثل ELN ومختلف المنظمات الإجرامية الأكبر التي تعمل في تهريب المخدرات والاستخراج غير القانوني للموارد. عاد العديد من المقاتلين السابقين في FARC، غير راضين عن شروط إعادة الاندماج، إلى حمل السلاح من جديد.
بالإضافة إلى ذلك، واجهت الحكومة صعوبات في تنفيذ شروط اتفاق السلام. تتطلب إعادة إدماج المقاتلين السابقين، وحماية حقوق الفلاحين، وحل مشكلة عدم المساواة الاجتماعية جهوداً ووقتاً كبيرين. في بعض المناطق من البلاد، تواصلت أعمال العنف المرتبطة بالصراع من أجل السيطرة على الأراضي والموارد.
تاريخ الحروب الأهلية والصراع المسلح في كولومبيا هو فصل معقد ومؤلم في حياة البلاد. رغم الجهود العديدة لتحقيق السلام، لا تزال كولومبيا تواجه تحديات العنف وعدم الاستقرار السياسي. ومع ذلك، كان اتفاق السلام مع FARC في عام 2016 خطوة مهمة نحو الاستقرار والمصالحة. تعتمد مستقبل البلاد على قدرة الحكومة والمجتمع على حل القضايا الجذرية التي تقف وراء الصراع وضمان السلام المستدام لجميع الكولومبيين.