إيران هي دولة ذات تراث لغوي غني، حيث تطورت وتشكّلت مختلف اللغات واللهجات على مدى قرون. تعيش في إيران ممثلون للعديد من المجموعات العرقية، كل منها تحتفظ بتقاليدها اللغوية. على الرغم من أن اللغة الرسمية هي الفارسية (فارسي)، إلا أن هناك عددًا كبيرًا من اللغات واللهجات الأخرى المستخدمة في البلاد. هذا يخلق صورة لغوية فريدة تعكس تنوع التراث الثقافي للمجتمع الإيراني. في هذه المقالة، سنستعرض الخصائص اللغوية الأساسية في إيران، تاريخها، ووضعها الحالي.
اللغة الفارسية، المعروفة أيضًا باسم فارسي، هي اللغة الرسمية في إيران وتلعب دورًا مركزيًا في حياة الإيرانيين. تنتمي الفارسية إلى الفرع الإيراني من عائلة اللغات الهندوأوروبية ولها تاريخ طويل يعود إلى العصور القديمة. يتحدث الفارسية أكثر من 70% من سكان البلاد، وتستخدم في جميع مجالات الحياة العامة - من التعليم إلى وسائل الإعلام.
تعود أصول اللغة الفارسية الحديثة إلى عصر الساسانيين وتشكّلت تحت تأثير اللغتين الفارسية القديمة والفارسية الوسطى. بعد الفتح العربي لإيران في القرن السابع، دخلت الكثير من الاقتراضات العربية إلى اللغة الفارسية، مما أضاف ثراءً كبيرًا إلى مفرداتها. ومع ذلك، على الرغم من التأثير العربي القوي، احتفظت الفارسية ببنيتها النحوية الفريدة ولم تفقد هويتها.
تتميز اللغة الفارسية بنحو بسيط وغياب الجنس في الأسماء. تستخدم الفارسية الكتابة العربية، على الرغم من أن الأبجدية قد تم تعديلها لتناسب الأصوات الفارسية. تُدرس الفارسية في المدارس وتستخدم في الوثائق الرسمية. ويعترف أدب الفارسية، بدءًا من شعر عمر الخيام وسعدي وحتى أعمال الكتاب الإيرانيين المعاصرين، عالميًا لروعته وغناه اللغوي.
اللغة الأذربيجانية، أو الأذري، هي اللغة الثانية الأكثر انتشارًا في إيران. يتحدث بها حوالي 25% من سكان البلاد، خاصة في محافظات أذربيجان الغربية والشرقية، وأردبيل وزنجان. تنتمي اللغة الأذربيجانية إلى المجموعة التركية من عائلة اللغات الألطائية ولها الكثير من القواسم المشتركة مع اللغة التركية.
على الرغم من أن اللغة الأذربيجانية ليس لها وضع رسمي في إيران، إلا أنها تُستخدم على نطاق واسع في الحياة اليومية، وكذلك في وسائل الإعلام غير الرسمية. في السنوات الأخيرة، ازداد الاهتمام بالحفاظ على الثقافة واللغة الأذربيجانية في إيران، مما يظهر في تنظيم الفعاليات الثقافية ونشر الكتب باللغة الأذربيجانية.
اللغة الكردية هي اللغة الأم للكرد الذين يعيشون في غرب وشمال غرب إيران، مثل كرمانشاه وكردستان. تنتمي اللغة الكردية إلى المجموعة الإيرانية من عائلة اللغات الهندوأوروبية وتنقسم إلى عدة لهجات تشمل السورانية والكورمانجية. يتحدث باللغة الكردية حوالي 10% من سكان إيران.
ليس للغة الكردية وضع رسمي في إيران، واستخدامها محدود في المجالات الرسمية. ومع ذلك، يحافظ الأكراد بنشاط على لغتهم وثقافتهم، لا سيما من خلال التقاليد الشفوية والشعر الشعبي. في السنوات الأخيرة، زاد أيضًا عدد المنشورات والبرامج الإذاعية والتلفزيونية باللغة الكردية.
يعيش اللور والباختياريون في جنوب غرب إيران، وخاصة في محافظات لورستان وخوزستان. تعتبر اللور والباختياري لغتين قريبتين وتنتميان إلى الفرع الجنوبي الغربي من عائلة اللغات الهندوأوروبية. تتشابه هذه اللغات كثيرًا مع اللغة الفارسية، لكنها تختلف في المفردات وعلم الأصوات.
يتحدث باللغة اللورية والباختيارية حوالي 6% من سكان إيران. تظل هذه اللغات ذات صلة بفضل التقاليد الشفوية، والتراث الشعبي، والأغاني. على الرغم من عدم وجود وضع رسمي لهذه اللغات، إلا أن اللور والباختياريين يدعمون تقاليدهم الثقافية ولغتهم بشكل نشط.
تكتسب اللغة العربية أهمية خاصة في إيران بسبب التأثير الديني والثقافي للإسلام. يتحدث باللغة العربية حوالي 2% من السكان، خاصة في المناطق الجنوبية من خوزستان وبوشهر، حيث تعيش المجتمعات العربية. تُستخدم اللغة العربية أيضًا في النصوص الدينية، مثل القرآن، مما يجعلها مهمة للحياة الروحية للإيرانيين.
على الرغم من أن اللغة العربية ليست لغة رسمية في إيران، إلا أنها تُدرس في المدارس كلغة ثانية نظرًا لأهميتها الدينية. يتمكن العديد من الإيرانيين، وخاصة الذين تلقوا تعليمًا دينيًا، من إتقان اللغة العربية بشكل جيد.
تنتشر اللغة البلوشية بين البلوش الذين يعيشون في جنوب شرق إيران، في محافظة سيستان وبلوشستان. تنتمي اللغة البلوشية إلى المجموعة الإيرانية من عائلة اللغات الهندوأوروبية ولها العديد من اللهجات. يتحدث باللغة البلوشية حوالي 2% من سكان إيران.
يعمل البلوش بنشاط على الحفاظ على هويتهم اللغوية والثقافية، على الرغم من عدم وجود وضع رسمي للغة في إيران. في السنوات الأخيرة، ازداد الاهتمام بتطوير اللغة البلوشية من خلال الفعاليات الثقافية والمنشورات.
تنتشر اللغات الجيلانية والمازندران في المحافظات الشمالية من إيران، مثل جيلان ومازندران. تنتمي هذه اللغات إلى الفرع الشمالي الغربي من عائلة اللغات الإيرانية ولها الكثير من القواسم المشتركة مع اللغات الإيرانية الأخرى. يتحدث بها جزء صغير من سكان إيران، لكنها تُحافظ عليها بفضل التقاليد الشفوية والثقافة المحلية.
على الرغم من تنوع اللغات، تتبنى إيران سياسة لغوية صارمة، حيث تعتبر الفارسية اللغة الرسمية الوحيدة. وهذا يعود إلى الحاجة للحفاظ على الوحدة الوطنية وسلامة الدولة. ومع ذلك، تحافظ المجموعات العرقية على لغاتها وثقافاتها من خلال التقاليد الشفوية، والتراث الشعبي، والمبادرات المحلية للحفاظ على اللغة.
في السنوات الأخيرة، زاد الاهتمام بالتنوع اللغوي ودعم اللغات العرقية في إيران. على الرغم من أن التعليم في المدارس يتم باللغة الفارسية، إلا أنه يتم إدخال برامج تعليمية بلغات محلية في بعض المناطق. هذا يسمح لأعضاء الأقليات العرقية بالحفاظ على تقاليدهم اللغوية ونقلها للأجيال القادمة.
يعد التنوع اللغوي في إيران انعكاسًا لتاريخها الغني وتراثها الثقافي. على الرغم من هيمنة الفارسية كلغة رسمية، تواصل المجموعات العرقية في إيران المحافظة على تقاليدها اللغوية وثقافاتها. تهدف السياسة اللغوية في إيران إلى الحفاظ على الوحدة الوطنية، ولكن في الوقت نفسه، يبقى هناك مكان للاحترام والحفاظ على التعددية اللغوية. فهم واحترام هذا التنوع يمكن أن يساعد في فهم المجتمع الإيراني وتراثه الثقافي بشكل أفضل.